قراءةٌ في كتاب: (لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم)؟

باسم الله، 

كتابنا هذه المرة بعنوان: (لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم)؟ لأمير البيان/ شكيب أرسلان –رحمهُ الله- أشهر مفكري ورجالات الإسلام في النصف الأول من القرن الهجري الرابع عشر، المولود بالشويفات في لبنان عام 1226هـ، والمتوفى في ببيروت عام 1366 هـ .

والكتابُ معروفُ مشهورٌ، وهو عبارة عن رسالة بعثها الشيخ محمد بسيوني عمران إلى الوجيه صاحب مجلة المنار، الأستاذ رشيد رضا، طالباً منه عرض تساؤلهِ ورسالته على الأمير شكيب أرسلان؛ ليَكتبَ من فيض فُيوضهِ المعرفيّة الواسعة، ويسطّر بأدبهِ الظاهر، وغيرته المحمودة على الإسلام وأهله؛ فكان هذا الكتاب.

وقد حقق الكتاب الشيخ حسن تميم تحقيقاً شاملاً، ابتدأ فيه بمقدمة تعريفية عن الكتاب وصاحبه وعرّج على أسباب يعزو ضعف المسلمين إليه –وهي أسبابٍ جديرة بالتأمل والقراءة-، ثمّ شرعَ في الحديثِ عن التساؤل الوارد إلى صاحب مجلة المنار (رشيد رضا) وذكر فيه نصّ السؤالِ، ونبذة يسيرة عن الأستاذ: رشيد رضا.

# اقتباساتٌ من مقدمة المحقق:

– قال عنه الطنطاويّ : شكيب أرسلان أعظم شخصية عربية . كان لسان الإسلام ومدرة العرب. وأحسب أن مقالاته لو جمعت لجاء منها كتاب في ضعف حجم الأغاني.
وقال عنه مصطفى الرافعي: حجة الأدب، وسيد كتاب العصـــر.

– (لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم)؟ كتبها في ثلاثة أيّام، ولعلها وافقت ما في تلافيف ذاكرته الوقادة، وفؤاده المثقل بكلّ آلام أمته؛ فطارت بعدُ في الآفاق، وتلقفها الناس في كل الديار والأقطار .. حتى قال رشيد رضا :

سارت بها الركبان تطوي نفنفاً * فنفنفاً وسبسباً فسبسباً

ومنعت فرنسا دخولها إلى الجزائر، وأحظرت دول أخرى مطالعتها وجرّمته.

– كان من آخر ما قاله أمير البيان شكيب أرسلان (9كانون، سنة 1946م) للأستاذ عبد الله المشنوق، وكان ذلك قبل موته بأيّام، لي وصيّة واحدة أودّ أن أوصي بها ، فهل تعدني بأن تنقلها إلى العالم العربي بعد وفاتي ؟
فقال له الأستاذ عبدالله : لك العمر الطويل إن شاء الله

فقال شكيب: لا، بل تعدني بنقل الوصية

قال: نعم
وهنا طوقه شكيب بذراعيه المرتجفتين وقال بصوتٍ كادت تخنقه العبارات: أوصيكم بفلسطين!

 

*اقتباساتٌ من الكتاب:

– في قوله تعالى: (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ..
يقول شكيب أرسلان: ” فلما كان المسلمون قد غيروا ما بأنفسهم – كان من العجب أن لا يغير الله ما بهم، وأن لا يبدلهم الذل والضِّعة من ذلك العز وتلك الرفعة، بل كان ذلك منافيًا للعدل الإلهي. والله عز وجل هو العدل المحض. كيف ترى في أمة ينصرها الله بدون عمل ويفيض عليها الخيرات التي كان يفيضها على آبائها، وهي قد قعدت عن جميع العزائم التي قد كان يقوم بها آباؤها؟! وذلك يكون مخالفًا للحكمة الإلهية، والله هو العزيز الحكيم. ما قولك في عزة بدون استحقاق، وفي غلة بدون حرث ولا زرع، وفي فوز بدون سعي ولا كسب، وفي تأييد بدون أدنى سبب يوجب التأييد ؟ لا جرم أن هذا مما يغري الناس بالكسل، ويحُول بينهم وبين العمل، بل مما يخالف النواميس التي أقام الله الكون عليها، ومما يستوي به الحق والباطل، والضار والنافع، وحاشا لله أن يفعل ذلك. ولو أيد الله مخلوقًا بدون عمل لأيَّد من دون عمل محمدًا رسوله ولم يُحوجه إلى القتال والنزال والنضال، واتباع سنن الكون الطبيعية للوصول إلى الغاية. وتصوَّرْ أمة لله عندها مائة وهي تؤدي من المائة خمسة فقط أتعدّ نفسها قد أدت ما عليها وتطمع في أن يكافئها الله كما كان يكافئ أجدادها الذين كانوا يؤدون المائة مائة، وإن قصروا عن المائة أدوا بالأقل تسعين أو ثمانين؟ كلا. هذا مخالف لما وعد الله على رسله ومخالف للعقل والمنطق، وليس هذا هو الشرط الذي شرطه الله على المؤمنين، وليس هذا هو البيع الذي يستبشر به المؤمنون. قال الله تعالى : [ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقاًّ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ ]( التوبة : 111 ) فأين حالة المسلمين اليوم من هذا الوصف الذي في كتاب الله ؟ وأين حالتهم من سلفهم الذين كانوا يتهافتون على الموت لإحراز الشهادة وكثيرًا ما كانوا ينشدون الموت ولا يجدونه؟ وكان فارسهم يكرّ وهو يقول: إني لأشم ريح الجنة، ثم لا يزال يَكرّ ويخوض غمرات الحرب حتى إذا استشهد قال: هذا يوم الفرح، وإذا فاتته الشهادة برغم حرصه عليها عاد إلى قومه حزينًا.

– ومن أكبر عوامل تقهقر المسلمين فساد أخلاق أمرائهم، بنوع خاص، وظن هؤلاء ـ إلا من رحم ربك ـ أن الأمة خُلقت لهم، أن يفعلوا بها ما يشاؤون؛ وقد رسخ فيهم هذا الفكر، حتى إذا حاول محاول أن يقيمهم على الجادة بطشوا به، عبرة لغيره .
وجاء العلماء المتزلفون لأولئك الأمراء، المتقلبون في نعمائهم، الضاربون بالملاعق في حلوائهم، وأفتوا لهم بجواز قتل ذلك الناصح، بحجة أنه شق عصا الطاعة، وخرج عن الجماعة  !!

–  فإن من سنن الله في أرضه أن الذل يردفه الفقر، وأن العز يردفه الثراء، والمثل العربي يقول : مَن
عَزَّ بَزَّ .والشاعر العربي الإياديّ يقول :
لا تذخروا المال للأعداء إنهمُ * إن يظهروا يأخذوكم والتلاد معا
هيهات لا خير في مال وفي نعم … قد احتفظتم بها إن أنفكم جُدعا
والمتنبي يقول :
فلا مجد في الدنيا لمن قل ماله … ولا مال في الدنيا لمن قل مجده
فالمسلمون عز عليهم المال ففقدوه ، وعزت عليهم الحياة ففقدوها ، وأبى الله إلا تصديق كلام النبي الموحى إليه حيث يقول:(يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على القصاع ) قالوا : أوَمن قلة فينا يومئذ يا رسول الله ؟ قال: ( لا، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، يجعل الوهن في قلوبكم وينزع من قلوب أعدائكم ؛ من حبكم الدنيا وكراهيتكم الموت).

– المادة لا تستطيع أن تعمل شيئا من نفسها، وإنما الذي يعمل هو الروح.

– لله در الملك ابن سعود حيث يقول: ما أخشى على المسلمين إلا من المسلمين، ما أخشى من الأجانب كما أخشى من المسلمين!

– ملاك الأمــر هو الإرادة، فمتى وجدت الإرادة، وجد الشيء المراد.

– يقولُ أمير البيان أنّ جدّهُ قال له يوماً: إن جار عليك الزمان، فعليك أن تجور على الأرض (أي تلح وتجتهد في استخرج خيراتها).

– التسليم لله مقروناً بالعمل أنفع في الدنيا والآخرة؛ لأنّ إفراط المرء في الاعتماد على نفسه يورطه في البطر إذا نجح، وفي الجزع إذا فشل، والذي يريده الإسلام إنما هو أن يعقل الإنسان ويتوكل.

-أجمع الأطباء أن القوة المعنوية هي رأس الأدوية، وأنّ من أعظم عوامل الشفاء إرادة الشفاء. يقال بأن عليا رضي الله عنه يكبر – يقول:”الله أكبر”- كلما صرع قرناً (أي قتل أحداً) فقيل له في ذلك، فقال: كنت إذا حملت على الفارس ظننت أني قاتله؛ فكنت أنا ونفسه عليه!

– يقول الأمير: قال لي مرة حكيم الشرق السيد جمال الدين الأفغاني: ” إن الوالد الشفيق يكون من أجهل الجهلاء، فإذا مرض ابنه اختار له أحذق الأطباء، وعلم أن هناك شيئا نافعا هو العلم، لا يعلم هو شيئا منه، ولكنه يعلم بسائق حرصهِ على حياة ابنه أنه ضروريّ.

– يقول الأمير: “أضاعَ الإسلام جاحدٌ وجامدُ”!
ثم استطرد بعدها كيف أضاع الجاحدون والجامدون الإسلام.                                                                                 

– في معرض رده على سيكار بأن العلم في القرآن ليس مقصودا به العلم الديني فحسب استدل الأمير بـ أثر (اطلبوا العلم ولو في الصين)! وهذا الأثر قال عنه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع ( موضوع ) برقم906

ثم ذكر بعد أسطر أنّ من يثير شبهة كهذه فهو مكابر لايستحق الجواب!

– بعض أسباب ضعف المسلمين وتقدم غيرها مجملاً: (الجهل – العلم الناقص (ابتلاؤكم بجاهل، خير من ابتائكم بشبهِ عالم)! الجبن والهلع، واجتماع اليأس والقنوط من رحمةِ الله .. يقول الشاعر: يرى الجبناء أن الجبن حزم * وتلك خديعة الطبع اللئيم

الجمودُ على القديم،  فقدهم الثقة في نفوسهم، وأيضاً شدد الأمير على مسألة أن “ترك الدين يُوجب الحرية” ونقضها نقضاً بارعاً بذكر أمثلة وشواهد، وأكد كثيراً على موضوع “الحمية الإسلامية” في جمع التبرعات لإخواننا المسلمين، وأن نفير المسلمين وهبّتهم للنصرة ضعيفة إذا ما قارنا بنفير اليهود مثلاً في دعم اسرائيل، وشدّد أن الوقوف المادي والمعنوي في قضايا أهل الإسلام ذو أثر بالغ عليهم في وقت محنتهم وما بعدها؛ إذ هو المحفز لعزائمهم، والمُطمئنُ لنفوسهم.

وذكر من الأسباب –أيضاً- أن عوام المسلمين يطلقون على بعض أفرادهم ألفاظ (التشدد والتنطع)، وبعض البلدان الإسلامية تطلقها على بعض، بينما نجد عند الكفار غيابُ هذا الوصف العدائي بينهم أو ندرتها، ويعزز قوله بأن هناك فئام كثيرة من أهل الإسلام هم ليسوا سوى (مسلمون جغرافيون)، استوطنوا أرض الإسلام، ولم يحققوا مبتغى الإسلام منهم. ثم ختم الأمير كتابهُ بـ “الخلاصة” فقال: إنّ الواجبَ على المسلمين – لينهضوا ويتقدموا ويتعرجوا في مصاعد المجد، ويترقوا كما ترقى غيرهم من الأمم – هو الجهاد بالمال والنفس الذي أمر به اللهُ في قرآنه مراراً عديدة، وهو ما يسمّونهُ اليوم بـ(التضحية). 

.

الأوسمة: , , , , ,

4 تعليقات to “قراءةٌ في كتاب: (لماذا تأخر المسلمون، ولماذا تقدم غيرهم)؟”

  1. مروة الخطيب Says:

    يسرني أن أكون أول المعلقين ،،
    قبل اسبوعين سألت أبي كتابا لأقرأه ، فأنا معتادة على نصائحه ، فأعطاني كتابين ، هذا الكتاب ، وآخر هو مسافر في قطار الدعوة ،، واخترت الثاني ! ، ولكن الاول لماذا تأخر المسلمون بقي اول كتاب في المكتبة لأقرأه لاحقًا ، وسرّني انك كتبت عنه وشوقتني لقراءته اكثر ،
    نسختي قديمة جدا جدا طبعت في عام 1969 م .. 🙂
    سأعمد على قراءته فورًا ،، بارك الله فيكم اخي

  2. mohammed alqarany Says:

    وسرّني متابعتكِ وحضوركِ الزاهي يا كريمة ..
    لم يعطك الوالدُ -المبارك- هذا الكتاب؛ إلا لعلمه بأهمّيتِه، ولعلكِ تقرئيهِ وتخبرينا برأيك وانطباعكِ عنه.
    ما شاء الله، نسختكِ تراثيّة .. 🙂

    قراءة ممتعة لكِ.
    وافر الشكر والامتنان.

  3. مَـوَاسِمْ ..! Says:

    قراءة ضافية وافية, يجزيك أجر ما كتبت..
    ومن الغرابة أنّه لا زال أحد يشكك في مذهب أمير البيان, وينسبه للدرزية, صحيح أنه من عائلة كذلك لكن ليس لهم سوى الاسم من المذهب ولا يعتقدونه, ومع ما كتب وناصح وجاهد بالحرف لم يزل بعضهم تراوده شكوك كتلك ويأبى التصديق!

    مضى الزمن الجميل وربيع الحرف والكلمة وطوى قامات فطاحلة اللغة والبيان ( رشيد رضا, شكيب أرسلان..وغيرهم), وبقى أثرهم.. ولا زال المسلمون كما كانوا!.

    لا تخفانا العوارض ولا نجهل مكمن الداء, لكننا لا نزال ننتقن الكلام ونخفق بالأفعال :”(

    “[اللهم انصر الإسلام على المسلمين]! ”
    اللهم آمين, كم من مسلم بيننا باختيار؟ وكم مسلم دار.. صار الإسلام قالباً مجرّد من معانيه!

  4. mohammed alqarany Says:

    سلمكِ المولى يا مَـوَاسِمْ ..!
    ومن الغريبِ -أيضاً- أنني قرأتُ اعتراض البعض على تسميةِ شكيب أرسلان بـ (أمير البيان)، ويرونهُ مبالغة ممقوتة، والحقّ أنّ من سبر كتابات ورسائل هذا الأديب النحرير، دان له بالفضل، واعترف له بالإمارة.
    اللهم اجعلنا ممّن يحملُ همّ الإسلام وأمته.

    حضورٌ بهيّ يا كريمة. لكِ وافر الشكر والامتنان.

أضف تعليق